الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

بين الأرض والسما


بشغف وفرحة أمسكت بورقتها و لاحظت درجاتها الـ 29.5 من30 في مادة اللغة الفرنسية ، كان أول اختبار تجتازه في المرحلة الثانوية

اليوم سأثبت لوالدي وأسرتي ومعلميّ أنني على نفس الدرجةمن التفوق التي عليها شقيقتي الكبرى، ليست هي وحدها فقط المتفوقة..

لطالما ظُلمت لهذه المقارنة التي عقدت على مدار 10 سنوات حتى قبيل دخولها للمرحلة الابتدائية لهذا اختارت مسلكا خاصا بها في الدراسة الثانوية يختلف عن مسار شقيقتها حتى تتوقف هذه المقارنة لمرحلة من الزمن تعيش فيها أحلامها وطموحاتها الخاصة ..

أسرعت الخطى وركضت كطفل يريد اللحاق بآخر لعبة يحبها من محل الهدايا .. أمتار قليلة تفصلها عن منزلها ، لم تشعر كم من الوقت سارت أو بالأحرى ركضت فالأرض كانت تطوى تحت قدميها من فرط السعادة ..

لحظات وأقابل أبي الذي كان دوما معي وبجواري في كل اختباراتي منذ بدأتها في المرحلة الابتدائية وكان يستذكر لي دروسي وينتظرني خارج"اللجنة" وفور خروجي يراجع معي الاختبار لنحصد معا الذكريات ..

تصل المنزل فإذا بأناس لم تعتد رؤيتهم سوى في الأعياد والمناسبات الحزينة فقط ، هرج ومرج في المنزل وجميعهم في غرفة والدي .. ماذايفعلون .؟! أهو مريض كما يدعون ؟!

تنظر لورقة الامتحان ذات الدرجة شبه النهائية تحتضنها وتقول.. "أكيد هو عاوز يعرف معزته عندي قد إيه وأنا هفرحه بدرجتي وكفاية انه لم ينتظرني كالعادة بعد الامتحان " ..

مازلت أذكر جملته ليلة أمس "معلوماتك كبرت عليا مش هقدر أذاكرلك اعتمدي على نفسك بقا " .. اعتمد على نفسي !! 10 سنين و إنت المعلم والأب والأم تذاكر لي وتراجع معي دروسي وتسهر ليلة الامتحان وتعملي الساندويتشات وتوصلني للجنة وتستناني ..

لكن الواقع الصادم حينما أتت سيارة الإسعاف لنقله على الفور للمستشفى بعد دخوله في غيبوبة لم يعد يدر من الواقع شيئا ..

مازالت تمسك بورقتها في انتظار عودته سريعا من المستشفى.. فعلها سابقا وذهب إليها مرة وعاد في نفس اليوم ..

سويعات قليلة وكان أحد أقربائي يهاتفنا "تعالوا باباكوا عاوز يشوفوكوا ضروري" ..
ضروري .. لماذا ؟!! أنا لا أفهم شيئا .. هل أجلب معي ورقة الامتحان ؟!!!

ذهبت للمشفى لم أدر ما الذي يحدث أناس يغلب على وجوههم الوجوم والشفقة احتضنونا "أحضان باردة"
نظرات متتبعة ومتتابعة ومختلطة حائرة بيني وبين شقيقتي وأمي التي تبكي بحرقة
أقبلنا على أبي الذي لم يستطع التعرف علينا وكان في واقع غير الذي نعيشه.

عيونً زائغة وجسد نحيل لا يكد يتبين من الفراش حجمه وبشره شديدة البياض وأنفاس متهدجة وصوت متقطع بكلمات غير 

مفهومة بهلاوس "البراق.. أمي .. انتظر .. خضر .."

وأسلاك كهربائية تتبارى للفتك بحلاوة الروح 

لم أفهم هل جُنَ أبي .. !!

استدرت وشقيقتي بعدما قبلناه دقائق وآتانا الخبر " مات"

كيف
هو وعدني بالبقاء بجواري.. أول وعد يخلفه أبي أنا لن أسامحه .. لم يخلف أي وعد معي منذ 
14 عاما هي عمري ..

قطرات صغيرة .. بل عبرات .. عبرت رغما عني حتى إنني لمأشعر بها ولا بجسدي .. عيوني .. أنفي المحترق .. صدري ذو الحساسية هل يتنفس .. بل يصعد ألما ويهبط ذلا..!!


تجمد الزمن للحظات لم أعرف عددها ..

تماسك لم أره في نفسي يوما ..

كل شيء حدث بسرعة وبعد بضع دقائق وجدت نفسي في منزل العائلة الكبير بقريتي .. الكل أصبح جاهزا بملابسه السوداء 

وكأنهم لديهم خبر مسبق.. هل كانوا يعلمون .. أن أبي سيخلف وعده معي !!
كأنني تعريت وأصبحت أشعر ببرد قارص .. لم ينمحي بعد 13عاما ولم أشعر بالدفء حتى في أعتي لحظات الحر شدة . 
ولم أحصل على "أحضان دافئة" بعد أبي!!

دموعٌ عذراء تعاند في الخروج وتستحي أن تكشف على أحد ..

ورقتي بمنزلنا تنتظر وعد لم يتحقق ..

لم أتحدث ولم أتفوه سوى بـ"أنا بخير" وشبح ابتسامة صفراء هلامية منحوتة على شفاهي

الثانية عشر ليلا .. غلبني النعاس من فرط التعب والإرهاق..

وظهرت وأنا أركض بعد الاختبار ممسكة بورقتي والفرحة تتطاير من ملابسي قبل وجهي .. وجدت أبي كالعادة ينتظرني .. بابا أنا جبت 29.5 من30 في الفرنساوي .. ومبتسما أجاب .. وليه مجبتيش 30 .. احتضنته بشدة حضنا دافئا لم أفق منه إلا على صوت خالي .. تعالي بوسي بابا قبل ما يدفنوه ..!!

مارثا والسيدة زينب 2





لأول مرة منذ 11 شهرا يغالبني النوم وأنا استمع إلى ضرباته على آلته التي دوما شج رأسي بعزفه عليها وذلك لأني اعتدتها فأصبحت أشعر بحنيني إليها كلما اختفى صوته وصوتها.

مضت 6ساعات ولم أستمع إليه عله بخير؟

أشعر بحنين جارف تجاه طرقاته وكأنه لم يكن يطرق لأحد من قبل غيري ..

هو مريض ؟ هل أصابه الخذي من عدم رؤيتي؟ هل شعر أنه أغضبني فلم يأت لي

وأخذت أفكر وأفكر حتى غصت في نوم عميق لم يدعني في أحلامي بل أتى إلى ولكن هذه المرة لم يكن بالشارع ولم أكن في منزلي فقد كنا على خشبة مسرح كبير وأنا أقف بشرفة صنعت بشكل جمالي اعتلت صدر المسرح
أقف بها وعيوني زائغة بين المارة ؛ فهناك الكثيرين يمرون على خشبة هذا المسرح أحدهم يتسول ويمد يديه "لله يا محسنين لله " والآخر يمسك بيديه أعواد البخور " بركة يا بيه .. بركة يا هانم ... بركة يا ست"  

وثالث هناك يجلس على المقهى لم يترك واحدة تمر إلا ورمقها بنظرة ذات معنى

يأتي هو متأنق في ملبسه يمسك المفتاح الإنجليزي الذي لم أعرف سبب تسميته إلى الآن بهذا الاسم وأخذ يطرق على 

شيء اسطواني الشكل لونه قرمزي ويشبه "الأنبوبة"  ينظر إلي ويبتسم ...

 أرمقه بنظرة حانية يدنو من الشرفة قليلا .. يا إلهي إنه كما تخيلته تماما مثل رشدي أباظة مفتول العضلات حتى يقوى على لفت انتباهي وإزعاجي بهذه القوة ولابد أنه ذكي ولماح وإلا لما أدرك مكان بيتي حتى يأتي إلىً كل يوم كل 10 دقائق ليلفت انتباهي له وغيرها العديد من المواصفات التي تداعت إلى ذهني واحدة تلو الأخرى
اقترب مني ثم أمسك بشيء صغير بحجم الخاتم لكن أسود اللون ومن المطاط قبله ثم....

طرقات كثيرة توقظني من نومي يا إلهي إنه هو..

أنهض مسرعة من سريري ليس مهم أنني لا أرى البشر إلا أطياف المهم أن أراه

لابدأن أتحدث معه وأخبره عن مشاعري المكبوتة بداخلي منذ 11 شهرا أخرج من باب منزلي وأنا غير عابئة لأي تصرف قد يحدث فقد قررت أن أراه لابد أن تصبح الصورة التي في ذهني حقيقية وليست من صنعي

أقترب أكثر فأكثر وأنا أنظر إليه

ابتسم

اقتربت خطوة رمقني بنظرة

لم أرفي بساطتها مثيل أسكتت الضجيج الذي كان بداخلي ولم أتحرك لبضع ثوان وأنا أتفقد تلك الملامح وتلك النظرة التي انهارت أمامها كلماتي اعتدلت في مشيتي .. لأني أدركت أنهلا طائل من الحديث معه فحديثنا سيمنعني من الاستمتاع بعزفه على آلته كل يوم والاستيقاظ مبكرا حتى لا أتأخر عن عملي ..

وأكملت طريقي بعد أن ارتسمت ابتسامة لطيفة على طرف شفاهي

مارثا والسيدة زينب 1





أووو .. مارثا .. بحق آلهتك .. أي علاقة آثمة تلك التي تحاولين إخفائها عن الجميع ، حتى يأتيكي يوميا منذ بواكير الصباح أسفل نافذتك ويتعمد التلكؤ والتباطؤ ويداوم بالعزف على آلته ومعشوقته التي يمسكها دوما بيده كي يلفت انتباهك ويوقظك من نومك بائع الأنابيب والذي يستمر بالمجيء إليك كل 10 دقائق وإن أنكرتي العلاقة معه فكيف بالآخر الذي يتنافس معه على جذب انتباهك وحتى انتباه الآخرين معك وان تطور الأمر إلى تأذي الآخرين أو إصابتهم بأمراض أو آلام بالرأس فهذا غير مهم.

هل يستحق الأمر كل هذا العناء انها 6 سنوات مضت مذ تعلق قلبك بأحدهم لقد انكشفتي وانكشفت علاقتك وهل ستنكرين علاقتك أيضا ببائع الروبابيكيا الذي يتعمد إعلاء صوته الجهوري بالحي الذي تقطنين لينادي عليكي صباح مساء "بيكيااااااااااااا" ، وكيف أيضا ببائع الخضروات، الطماطم والخبز وغيره وغيره وكيف أيضا بالأطفال الذين يقرقعون بالألعاب النارية و الكلاب التي تنبح طوال الليل ولا تجعل أحدا ينام بسببها أوليس كل ذلك محاولة للفت انتباهك؟!.

 انت تعلمين انك لست وحدك التي تعنين بشئونك وكما يقول المثل الإنجليزي الشهير "انت في حالك والناس برضه في حالك" فالجميع هنا يهتم بشئونك فقط لقلقهم عليك ليس أكثر وإن تأخرتي خارج المنزل للساعة العاشرة مساءا فلن يتفوه أحدهم بكلمة عليكي أن تراعي مشاعرهم وألا تزعجيهم بملابسك القاتمة اللون وطريقة مشيتك التي تشبه جندي المشاة.

ألم تعلمي أنك تقطنين بضاحية يقطنها علية القوم كيف ستجدين منزلا لا تستطعين فتح نوافذه طوال الوقت لانهم يتطفلون عليكي وعلى أخبارك طوال الوقت منه نوافذه كهذا المنزل؟! بل وكيف ستجدين منزلا تسددين إيجاره من راتبك الشهري المتواضع - ان وجد – ويتبقى جزءا من راتبك يعينك على ظروف المعيشة ؟! منزلا كهذا عليكي أن تتفاخري به ، فأنت تستطيعين التحدث منخفضة الصوت وترك لمبة الصالة مضاءة ليل نهار ليتوهمون أنك بالداخل لتطمئنيهم عليك.

كيف ستجدين ضاحية تتخذين من شوارعها منفذا لممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة يوميا جيئة وذهابا حتى تصلين للطريق الرئيسي الذي تستطيعين منه أن تستلقي وسيلة مواصلات - غير آمنة – تشعرين فيها بالدفء الأسري و قوة التلاحم بين أبناء شعبك؟!

ارجعي لصوابك واطلب المغفرة من الرب على الذنوب والخطايا التي اقترفتها بحق نفسك فالسيدة زينب ليست سوى "جاردن سيتي" بس بشرطة.